« الزعيم أهين.. « تعرضت للغدر وليس للخيانة
الأستاذ علالة الرجيشي
جريدة البيان، جويلية 2011
هكذا خطط بن علي لانقلاب 87
تتألت الأحداث بنسق سريع وجرت كما اشتهاها المخلوع الذي كان مطمحه تولي الرئاسة منذ لآن تقلد حقائب وزارية هامة في الدولة. كان هاجسه كيفية تحقيق ما نواه وما وعد به ليلاه فقد كا ترقبه من البلاط على أساس القضاء على « فتنة الخوانجية » لتأكيد أنه الوحيد القادر على ردعهم والحفاظ على استقرار البلاد ولتمرير مخططه ضخم الخطر المتأتي منهم حتى يحظي بثقة الزعيم بورقيبة وشن حملات اعتقال واسعة ضدهم ثم استغل سلسلة التغييرات الوزارية المتكررة التي قام بها بورقيبة لوظفها بالتآمر مع وزير الاتصال في ذلك الوقت في حملة إعلامية هدفها زعزعة ثقة المواطن التونسي في رئيسه وإبرازه على أنه غير مؤهل لمواصلة قيادة الدولة في حين يؤكد الاستاذ علالة أن بورقيبة لا يقوم بتعيينات عشوائية بل أن المترشح يخضع لابحاث دقيقة ومشاورات ثم يمر إثرها بفترة تجربة لتكون الفيصل إما في استمراره أو في إقالته وقد صادف أن التعيينات في غير المستوى المطلوب مما كثف عملية تغيير الحقائب الوزارية الأمر الذي نجح المخلوع في استعماله على أحسن وجه لتأليب الرأي العام ضد الزعيم.
بن علي كان قناصا ماهرا للفرص فبعد أن تيقن من أن ثقة بورقيبة فيه قد انعدمت وبات على شفا العزل وظف سعيدة ساسي لتزكيته حيث وعدها بحقيبة الداخلية مستعملا بساطة تفكيرها وضعف مستواها الثقافي للتلاعب بها.
هذه العوامل مجتمعة مهدت لليلة الرعب التي عاشها بورقيبة في قصره فحوالي الساعة الثانية فجرا من يوم 7 نوفمبر 87 حيث اقتحم الرئيس المخلوع صحبة الحبيب عمار القصر وقد أشهر هذا الأخير سلاحا ناريا في وجه بورقيبة الذي أخرج من القصر بملابس النوم واقتيد الى قصر مرناق واضطر بورقيبة للتدثر بمعطفه لبرودة الطقس ليلقي المخلوع بعد ذلك بيانه الشهير الذي اتهم فيه الرئيس بورقيبة بالعجز بعد ان قام إطار طبي متكون من سبعة إطباء لم يقوموا بمعاينة الرئيس بصفة مباشرة بإقرار أن الحالة الصحية للزعيم لم تعد تسمح له بمباشرة الوظائف المنوطة بعهدته لأهميتها مما أهل الوزير الأول آنذاك زين العابدين بن علي – لتقلد مهام رئاسة الجمهورية.
كل ذلك تم وسط صمت رهيب لانصار بورقيبة الذين لم يحركوا ساكنا خاصة المناضلين الذين شاركوا معه في حركة التحرير، والسبب أن المخلوع قام باعتقال بعض أبناء المناضلين بتهمة « الخوانجية » حتى ينسلخ هؤلاء عن الزعيم فيجد نفسه وحيدا دون أنصار وهو السيناريو الذي جسم واقعيا اذ مباشرة بعد توليه السلطة قام بالافراج عنهم.
المخلوع أذاق بورقيبة المهانات بأنواعها
بعد القبض على الحبيب بورقيبة من قبل الحبيب عمار والهادي البكوش وغيرهما تم حبسه بدار الوالي بالمنستير قهرا ثم طوقوه بعدد كبير من رجالهم المسلحين وأعوانهم المأجورين عومل بشكل سيء وتعرض للضرب من بعض الأعوان وتواصلت الإساءة له بشتى الطرق طيلة مدة حبسه الى أن فارق الحياة اذ كانت تقدم له وجبات غير صحية ومتعفنة مما تسبب له في العديد من المضاعفات الصحية كما أصيب بألم شديد في إحدى رجليه نتيجة انغماس ظفر أحد الاصابع في اللحم مما ادى الى تعفن الاصبع لبقائه دون علاج فضلا عن المهانة التي لا تليق بزعيم سابق ورئيس ففي احدى المرات اخذه احد الاعوان المكلفين بالحراسة ورماه داخل السيارة بقوة مما تسبب له في ألم شديد ومن مظاهر سوء معاملة الزعيم عدم الاستجابة لطلباته البسيطة ومنها شرب الماء حيث كان يصيح ويصرخ وبضرب على الطاولة بعصاه لكن لا أحد يلبي طلبه ويروي ظمأه.
فصول معاناة الزعيم الراحل في سجنه أو منفاه تنوعت أشكالها فقد ألبسوه بالي الثياب : حذاء قديما جدا وقميصا أكل عليه الدهر وشرب وكل ذلك موثق بشهادات حية.
الأستاذ علالة الرجيشي تقدم بقضيتين ضد الرئيس المخلوع في عهده أولهما من أجل القبض والسجن دون إذن قضائي لمدة تتجاوز الشهر تبعهما الموت بواسطة الإيذاء طبقا للفصل 251 فقرة أخيرة من المجلة الجزائية اذ أن الحبيب بورقيبة عندما تم القبض عليه وسجنه كان رئيسا للجمهورية أي موظف عموميا سجن دون إذن قضائي وثانيهما السرقة عملا بالفصل 260 من المجلة الجزائية حيث تمت سرقة الهدايا التي كان يتسلمها من الرؤساء والملوك والتي كان وضعها بالمتحف بدار حومة الطرابلسية بالمنستير ويضيف محدثنا ان اتهام بورقيبة بالعجز إفك يفترى.
بورقيبة في كامل مداركه ولو كره المجرمون
يستند الأستاذ علالة الرجيشي لإثبات زيف ادعاء عجز بورقيبة الى تصريحات الهادي البكوش نفسه المنشورة في جريدة « لوموند » بتاريخ 10 نوفمبر 1987 اذ أفاد أن الرئيس بن علي يتمنى زيارة بورقيبة من فترة لأخرى للتشاور معه بخصوص بعض القرارات فضلا عن تصريح ثان له بتاريخ 11 نوفمبر 1987 ذكر ضمنه انه « لا يمكن ا نتركه يخرج لكي يصفق له » مما يعني ان الهادي البكوش كان يصر على حبسه. كما يستند الى شهادة الكاتب والصحفي الفرنسي « جان دانيا » في كتابه « الجرح » في الجزء المتعلق بزيارته لبورقيبة حيث سأله هل ينقصك شيء فأجابه الرئيس بورقيبة انه في المقصلة كذلك شهادة طبية للدكتور عمر الشاذلي تؤكد عدم صحة ما ورد بالبلاغ الطبي وقد دون ذلك في كتابه « بورقيبة كما عرفته » وتصريح الزعيم لطبيبه أن ما تعرض له هو غدر وليس خيانة وقد طلب منه الزعيم الحبيب بورقيبة أن يتصل بسفراء فرنسا والمملكة المتحدة وأمريكا لإعلامهم بوضعه الشيء كما أرسل عدة رسائل لين علي والي الوكيل العام للجمهورية طلب ضمنها إطلاق سراحه وهو مستعد أن يمثل أمام المحكمة إن كان هناك وجه لمؤاخذته غير أن ردة فعل المخلوع ومن معه في 15 فيفري 1988 تمثلت في تشديد الخناق عليه أكثر فأكثر. اعتمادا على هذه المعطيات الواقعية المتظافرة يتأكد أن الأطباء الذين أصدروا البلاغ الطبي سلموا شهادة مجاملة تتضمن أمورا غير حقيقية.